الجمعة، 21 سبتمبر 2012

الإسلام والشعر


الإسلام والشعر
كان الشعر ديوان العرب فى الجاهلية, أودعوه وقائعهم وأيامهم ومفاخرهم وأحسابهم وأنسابهم وآثارهم وأوصاف بيئتهم, وكان له سحره وروعة تأثير نفوسهم.
     وكان الشعراء ذوى مكانة سامية مرموقة بينهم, لأنهم ألسنة القبائل الذائذون عن الذمار, المدافعون عن الأحساب والأنساب والشرف. لذا كانت القبيلة إذا نبغ فيها الشاعر أتت القبائل فهنأتها بذلك, ووضعت الأطعمة, وإجتمع النساء يلعبين بالمزاهر كما يضعن فى الأعراس, وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد, أو أشاعر ينبع أو فارس تنتج, وهذه كلها تقتضى الوقوف عند قضيتين مهمتين هما:
1.           موقف الإسلام من الشعر: أن من يتبع آثآر الدارسين فى الأدب العربى الإسلامى بحيث يجد أن أصحابها قد تباينت آرآؤهم للشعر فى معالجة هذه القضية. فمنهم من ذهب إلى أن الإسلام أدار ظهره للشعر وأعرض عن الشعراء فخبت جذوته, وكسدت سوقه, وعزف الناس عن ذلك الفن الذى طالما إستأثر بإهتمامهم وحسبهم قبل الإسلام. وفريق ثان يرفض هذه الوجهة, مقررا أن الإسلام كان سببا فى إزدهار الشعر وقوته, لأن أحداثه جلت من عقد الألسنة وأنطقت بالشعر كثيرين لم يكونوا ينطقونه. والحق مما نقول: أن الإسلام لم يصرف المسلمين عن الشعر لأجمعه, ولم ينه عنه كله, كما أنه لم يطلق العنان للشعراء, بل رسم لهم طريق الشعر وحدد غايته. وقد نزه القآن الكريم الرسول المصطفى عن قول الشعر فى غير موضع, منها قوله تعالى: وما علمناه الشعر وما ينبغى له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين (يس: 69), ومقصد هذه الآية بحيث لا يحتمل تنفيرا من الشعر أو تهجينا له كما فهم بعضهم, فلعل الحكمة فى تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن قول الشعر, عن أن يكون شاعرا, أن الله سبحانه وتعالى وصف الشعراء بالطيش والسفه, وبأنهم يقولون ملا يفعلون, فهم متهمون بالغلو والكذب ومجاوزة الحق فى كثير من فنهم, وتلك صفات برأ الله رسوله منها. وأضاف أيضا أن قريشا نسبت فضيلة الرسول وحجته البالغة إلى تأثير الشعر لا إلى فضل الرسالة حين زعموا أن ما يتلى عليهم من آي الذكر الحكيم ليس وحيا من عند الله, بل إلهاما من شياطين الشعراء, ولذا قال الله تعالى: فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون, إنه لقول رسول كريم, وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (الحاقة: 38-41). ومما تقدم ننتهى إلى أن القرآن الكريم لم ينفر من الشعر كله, ولم يذم الشعراء أجمعين, وإنما عادى الشعر الظالم الذى يجور على الحق ويجافى العدل والخير, كما عادى الشعراء الذين ينحون بشعرهم هذا المنحى. وكذالك موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الشعر فمتفق تماما مع موقف القرآن الكريم, فقد ذموا الشعر الذى يصد عن سبيل الله, ويقف فى وجه الدعوة الإسلامية’ وينهش أعراض المسلمين, ويشير الضغائن والأحقاد, وكذلك المديح الكاذب, والفخر المتعالى بالأحساب والأنساب.
2.           قلة الشعر وضعف مستواه الفنى: شغلت هذه القضية دارسى الأدب  ونقاده قديما وحديثا, ولعل إبن سلام الجحمى (ت 231 ه) أول من نبه قلة المروى من شعر صدر الإسلام خصوصا, بحيث معللا بتشاغل المسلمين بالجهاد وموت كثير من الرواة فقال: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم على أصح منه, فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب, وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم, ولهت عن الشعر وروايته, فلما كثر الإسلام, وجاءت الفتوح وإطمأنت العرب بالأمصار راجعوا رواية الشعر فلم يؤؤلو إلى ديوان مدون, ولا كتاب مكتوب, وألفوا ذلك وقد هلك من العرب بالموت والقتل, فحفظوا أقل ذلك, وذهب عليهم من كثير". وقد تأثر إبن خلدون (ت 732 ه) بهذه الوجهة فقال: "إنصرف العرب عن الشعر أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحى, وما أدهشهم من أسلوب القرآن الكريم ونظمه فأخرسوا عن ذلك, وسكتوا عن الحوض فى النظم والنثر زمانا, ثم إستقر ذلك وأونس الرشد من الملة, ولم يزل الوحى فى تحريم الشعر وخطره, وسمعه النبى صلى الله عليه وسلم وأثاب عليه, فرجعوا حينئذ إلى دينهم منه". ونهج بعض المحدثين منهج إبن خلدون, إذ قرر أن الشعر قد خبت جذونه وتوارت بلاغته فى أبان البعثة النبوية وخلالها, لقد توارى  الشعر وتجافى إنشاده الشعراء بالشكل الذى تعودوا أن ينشئوه وينشدوه قبل البعثة المحمدية بقليل, فإذا سأل سائل عن السبب الذى جعل الشعر يحتجب عن الناس, وجعل الشعراء يحجمون عن قوله, فذلك هو الجواب, ولقد توارى الشعر خجلا وآثر الإنزواء حياء إمام ذو الدعوة الجديدة, وحيال سلاسة الأسلوب كتابها العزيز حتى أن شاعرا فحلا مثل لبيد بن أقلع عن الشعر تماما, بعد أن أسلم بسبب إحتفاله بالقرآن الكريم. وفى هذا قد إنقسم الدارسون والنقاد المحدثون إلى قسمين فى معالجتهم هذه القضية, فمنهم من قضى بضعف الشعر فى عصر صدر افسلام محتجا بأدلة كثيرة منها:
أ‌.                أن عصر صدر الإسلام كان ثورة على مفاسد الجاهلية, والشعر تخمله الثورات عادة بحيث لا يستطيع تمثلها إلا بعد حين
ب‌.       شيوع ظاهرة الإرتجال, وخاصة فى شعر الفتوحات, ولذا غلب المقطوعات على أشعارهم.
ج‌.          إنقضاء عصر الفحول, إذ جاء الإسلام بعد رحل فحول الشعراء الجاهليين على أن من بقى منهم كالأعشى والخطيئة, ولبيد بن ربيعةبحيث تقد به العمر, كما أثر لبيد خاصة قراءة القرآن وتدارسه.
وأما من ذهب من المحدثين إلى إنكار ضعف الشعر فى ذلك العصر, بحيث قد إحتججوا بأدلة منها:
أ‌.                فساد المقارنة بين الشعر الجاهلى وشعر صدر الإسلام من حيث الكم, إذ أن العصر الجاهلى يشغل حقبة زمنية حيث تعدل ثلاث أضعاف عصر صدر الإسلام تقريبا (41 إلى 150)
ب‌.       لم يلق عصر صدر الإسلام عناية جد كبيرة من المشتغلين بالأدب, إذ هناك مجموعة من الشعراء لم تجمع أشعارهم من مصادر السير والطبقات
ت‌.       بطلان ما شاع عن لبيد بن ربيعة حول إحجامه عن الشعر بعد إسلامه وذلك نتيجة دراسات متخصصة أضاف إلى ديوانه المحقق
أثر الإسلام فى الشعر
أولا: أغراض الشعر وفنونه
لقد كان الإسلام أثر جلى فى هذا الجانب, فقد إستحدثت أغراض, وطرحت أخرى أو كادت, وعدلت أغراض. فمن أبرز الأغراض التى إستحدثت هى: الدعوة إلى الإسلام, ونشر مبادئه, والتصدى لأعدائه ومارعتهم بالحجة, بحيث يدخل هذه الأغراض تصوير الحروب الإسلامسة’ وحث على الجهاد فى سبيل الله, والفوز بالشهادة, والفخر بالفداء.
ومن أبرز الشعراء الذين حطوا على عاتقهم هذه المهمة الجليلة, هم: حسان بن ثابت, وكعب بن مالك, وعبد الله بن رواحة, بحيث قد مرت نماذج لهم فى هذا المجال عند حديثنا عن الشعر.

ثانيا: التصوير الفنى
فى هذا الجانب نلحظ ظواهر عدة من أبرزها:
1.           لعل أبرز الأغراض التى تقيد فيها الشعراء بهذا المنهج هى: المديح, والفخر, والرثاء, لا سيما فى بداية عصر النبوة لقرب العهد بالجاهلية
2.           تأثر معانى الشعر بالإسلام ومبادئه وقيمه وأحداثه, ولا غرو فقد صدر هذا الشعر عن نفوس مسلمة عايشت أحداثه, غير أن الشعراء لم يكونوا على مستوى واحد فى هذا التأثر تبعا لإختلافهم فى معايشتهم للإسلام طولا وقصرا. وقد إلتزم أيضا بالصدق فيما قالواو ومن ثم خلت أشعارهم من كل ما يخل بالقيم الإسلامسية النبيلة كالمدح الكاذب والإطراء الزائف, والإقذاع فى الهجو.
3.           كما تأثرت الألفاظ والأساليب بالقرآن الكريم والبلاغة النبوية, فبدت الألفاظ عذبة سلسة رقيقة, لا خشونة فيها ولا غرابة ولا تقعر, وجاء الأسلوب جزلا قويا.
4. كان للإسلام أثر فى الصورة البيانية, إذ حرص الشعراء على أن يستقوا من ينابيع البيان فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق